تحديد مكان قبر سيدنا موسي عليه السلام معجزة السنة النبوية

[size=12]
تحديد مكان قبر سيدنا موسي عليه السلام

إن أوجه الإعجاز في القرآن الكريم وفيالسنة النبوية المطهرة لا يمكن حصرها حيث أن كل آية قرآنية وكل حديث نبوي شريف إذاما صح إسناده تحمل في طياتها وجه أو أكثر من وجوه الإعجاز المختلفة الذي يمكن أن تتكشفللبشر إذا ما تدبروها حق تدبرها وذلك على ضوء ما يفتحه الله على البشر من شتىأنواع المعارف. فقد روى الحاكم في مستدركه على الصحيحين فقال: (حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه ثنا مسدد بنقطن بن إبراهيم ثنا داود بن رشيد ثنا صالح بن عمر أنبأ إبراهيم الهجري عن أبيالأحوص عن عبد الله رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذاالقرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنورالمبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوجفيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوتهكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف ولام وميم) هذا حديث صحيحالإسناد ولم يخرجاه بصالح بن عمر.وإذا كان القرآن الكريم كما أكد على ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فيالحديث السابق لا تنقضي عجائبه فمن الواجب على علماء المسلمين كشف هذه العجائبوإبرازها للناس لتكون دليلا على صدق هذا القرآن وصدق من أنزل عليه. ومن الواضح أنعجائب القرآن الكريم وكذلك السنة النبوية فكلاهما وحي من الله عز وجل يرتبط ظهورهاارتباطا وثيقا بالتقدم العلمي فلو كان الأمر غير ذلك لكشف الأولون جميع هذهالعجائب. وإن ما يقوم به العلماء المشتغلون في مجال الإعجاز العلمي في القرآنوالسنة النبوية من كشف لأوجه الإعجاز فيهما إنما هو امتثال لأمر رسول الله في كشفعجائبهما فهذه العجائب لا يمكن أن تتكشف لوحدها بل تحتاج إلى من يكشفها. وبما أننانعيش في عصر فتح الله فيه على البشر أبوابا لا حصر لها من شتى أنواع المعارف فحريبعلماء المسلمين أن يجتهدوا ويستغلوا هذه المعارف لكشف هذه العجائب أو ما نسميهأوجه الإعجاز وذلك تصديقا لقوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِيالْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّأَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)" فصلت.
وفي هذه المقالة سنبينأوجه الإعجاز في حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والذي حدد فيه المكان الذييوجد فيه قبر النبي موسى عليه السلام. فلقد أخفى الله سبحانه وتعالى عن اليهود وذلك لحكمة أرادها المكان الذي يوجد فيهقبر موسى عليه السلام وذلك كما جاء ذلك في سفر التثنية الإصحاح الرابع والثلاثين"¹وَصَعِدَمُوسَى مِنْ عَرَبَاتِ مُوآبَ إِلَى جَبَلِ نَبُو، إِلَى رَأْسِ الْفِسْجَةِالَّذِي قُبَالَةَ أَرِيحَا، فَأَرَاهُ الرَّبُّ جَمِيعَ الأَرْضِ مِنْ جِلْعَادَإِلَى دَانَ، ²وَجَمِيعَ نَفْتَالِي وَأَرْضَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى،وَجَمِيعَ أَرْضِ يَهُوذَا إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ، ³وَالْجَنُوبَوَالدَّائِرَةَ بُقْعَةَ أَرِيحَا مَدِينَةِ النَّخْلِ، إِلَى صُوغَرَ. ⁴وَقَالَلَهُ الرَّبُّ: «هذِهِ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَوَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا. قَدْ أَرَيْتُكَإِيَّاهَا بِعَيْنَيْكَ، وَلكِنَّكَ إِلَى هُنَاكَ لاَ تَعْبُرُ». ⁵فَمَاتَهُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. ⁶وَدَفَنَهُفِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْإِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ". ومن الواضح أن هذا النصليس من التوراة طالما أنه لم ينزل على موسى عليه السلام بل كلام شخص يروي عن ماحدث معه عليه السلام في آخر آيامه وبعد موته. إن تأكيد هذا النص على أن موسى عليهالسلام قد دفن في أرض مؤاب وهي ما تسمى اليوم بمحافظة مادبا في الأردن لا يوجد مايثبته وذلك في غياب الشاهد على ذلك فقد مات عليه السلام وحيدا بعد أن افترق عنفتاه يوشع بن نون في ظروف غامضة وقد اتهم اليهود كعادتهم النبي يوشع بقتله لولا أنالله قد برأه من ذلك كما جاء في بعض الروايات. ومن المؤكد بسبب تواتر الروايات أنموسى عليه السلام قد وقف مع يوشع بن نون على جبل نيبو الذي يقع في الشمال الغربي منمادبا على بعد عدة كيلومترات حيث يمكن مشاهدة أريحاوالبحر الميت وبيت المقدس وما حوله بكل وضوح خاصة عند الصباح الباكر حيث تكونالشمس خلف الناظر إليها. ولا بد أن موسى عليه السلام قد أوصى فتاه وخليفته من بعدهبما سيفعل عند عبوره مع بني إسرائيل نهر الأردن إلى الأرض المقدسة بعد أن كتب اللهعز وجل على موسى عليه السلام أن لا يدخلها مع بني إسرائيل. وعلى الأرجح أنهما افترقا في هذا المكان حيث سارموسى عليه السلام مغربا شوقا للأرض المقدسة وعاد يوشع عليه السلام مشرقا إلى مادباحيث تنتظرهما بنو إسرائيل. وقد بنى المسيحيون في القرن الرابع الميلادي كنيسة علىهذا الجبل معتقدين كما اعتقد اليهود أن موسى عليه السلام قد دفن على هذا الجبلوسنبين بعد قليل أن هذا المكان لا ينطبق عليه وصف رسول الله لمكان القبر.



لقد بقي المكان الذي يوجد فيه قبر موسى عليهالسلام مجهولا لما يقرب من ألف وثمانمائة عام حتى أراه الله سبحانه وتعالى نبينامحمد صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. لقدجاء ذكر مكان القبر في حديثين شريفين تم روايتهما في أكثر كتب الحديث باختلاف بسيطفي ألفاظ الحديثين فالحديث الأول رواه النسائي فيالسنن الكبرى فقال: أخبرنا محمد بن عليبن حرب المروزي , قال : أخبرنا معاذ بن خالد , قال : أخبرنا حماد بن سلمة , عَنْسليمان التيمي , عَنْ ثابت ، عَنْ أَنَس , أن رسول الله r قال : أتيت ليلة أسري بي على موسى عِنْدَ الكثيبالأحمر وهو قائم يصلي في قبره. ولقدثبت في الأحاديث النبوية المتعلقة بحادثة الإسراء والمعراج أن نبينا عليه الصلاةوالسلام قد التقى بجميع الأنبياء في بيت المقدس وأمهم في الصلاة بينما يؤكد هذا الحديث علىأنه عليه الصلاة والسلام قد التقى بموسى عليه السلام عند قبره وهو في طريقه إلىبيت المقدس وقد يكون هذا اللقاء هو المعني في قوله تعالى "وَلَقَدْ آتَيْنَامُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًىلِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)" السجدة. ولا بد أن نذكر الأخوة القراء بأن للأنبياءبعد موتهم حالة غير الحالة التي يكون عليها بقية موتى البشر فإذا كان الشهداء وهمأقل مرتبة من الأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون فمن باب أولى أن يكون الأنبياء علىهذه الحال على أقل تقدير. أما الحديث الثاني فإنه يعطي تفصيلات أكثر عن مكان القبروقد روته أكثر كتب الحديث فقد روى البخاري في صحيحه فقال: حدثنا محمود:حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنهقال: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه، فقال:أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع، فقل له يضع يدهعلى متن ثور، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثمالموت. قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر). قال: قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلو كنت ثم لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، عندالكثيب الأحمر) وفي رواية أخرى (تحت الكثيب الأحمر).
إن هذا الحديث يحمل في طياته دلالات كثيرة ويجيب علىبعض التساؤلات حول ما حدث مع موسى عليه السلام بعد أن فارق يوشع بن نون عند جبلنيبو. لقد جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام على هيئة بشر ليقبض روحه ولكن موسىعليه السلام بسبب المفاجأة لطم وجه ملك الموت ففقأ عينه ولقد دار جدل طويل بينالعلماء حول قصة فقأ عين الملك وقد وصل الأمر ببعضهم لرفض هذا الجزء من الحديث رغموروده في معظم كتب الحديث الصحيحة. وأعتقد أن المسألة أهون من ذلك ولا مبرر لرفضمثل هذا الحديث الصحيح الإسناد فمنالمعروف أنه عليه السلام كان سريع الغضب كما حدث ذلك في مواقف كثيرة كقتلهللفرعوني وإلقائه للألواح وشده لشعر أخيه هارون عليه السلام ولكن ما أن يسكت الغضبعنه عليه السلام حتى يندم على ما بدر منه ولهذا السبب فقد طلب من الله عز وجل أنيعينه بأخيه هارون عليه السلام عندما كلفه الله بالرسالة فقال عز من قائل "قَالَرَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُلِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)" الشعراء. وعندما عاد ملك الموت إليه مرة أخرىوبلغه رسالة ربه أذعن للأمر واختار أن يموت لوقته طالما أن الموت لا مفر منه مهماطالت الحياة. ولكنه عليه السلام طلب من الله طلبا متواضعا وهو أن يدنيه من الأرضالمقدسة قبل أن يموت بحيث يكون قبره على مرمى حجر من بيت المقدس, وفي هذا الطلبدلالات عظيمة تبين مكانة بيت المقدس وما حوله من الأرض المقدسة بحيث أن نبيا ورسولامن أولى العزم يتمنى أن يكون قبره في أكنافها. إن الله سبحانه وتعالى لم يحرم موسىعليه السلام من دخول الأرض المقدسة مع بني إسرائيل عقابا له كما يدعي اليهود بل هوعقابا لهم حيث أنه سبحانه لم يترك لهم أثرا دينيا ذا قيمة في الأرض المقدسةيتشبثون به فهارون عليه السلام مدفون على جبل شاهق يصعب الوصول إليه في البتراءجنوب الأردن وموسى عليه السلام أخفى الله عنهم قبره ويعتقدون أنه مدفون عند جبلنيبو شرقي البحر الميت. فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح الثاني والثلاثين ما نصه"⁴⁸وَكَلَّمَالرَّبُّ مُوسَى فِي نَفْسِ ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: ⁴⁹«اِصْعَدْإِلَى جَبَلِ عَبَارِيمَ هذَا، جَبَلِ نَبُو الَّذِي فِي أَرْضِ مُوآبَ الَّذِيقُبَالَةَ أَرِيحَا، وَانْظُرْ أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهَا لِبَنِيإِسْرَائِيلَ مُلْكًا، ⁵⁰وَمُتْ فِي الْجَبَلِ الَّذِي تَصْعَدُإِلَيْهِ، وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِكَ، كَمَا مَاتَ هَارُونُ أَخُوكَ فِي جَبَلِهُورٍ وَضُمَّ إِلَى قَوْمِهِ. ⁵¹لأَنَّكُمَا خُنْتُمَانِي فِي وَسَطِبَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةِ قَادَشَ فِي بَرِّيَّةِ صِينٍ، إِذْلَمْ تُقَدِّسَانِي فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ⁵²فَإِنَّكَتَنْظُرُ الأَرْضَ مِنْ قُبَالَتِهَا، وَلكِنَّكَ لاَ تَدْخُلُ إِلَى هُنَاكَإِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا أُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ»".
إن المفتاح لفهم الحديث النبوي الثاني يكمن في طلبموسى عليه السلام من ربه أن يدنيه برمية حجر من الأرض المقدسة. وبما أن رسولناالكريم عليه الصلاة والسلام لم يذكر أن الله عز وجل لم يستجب لطلبه عليه السلام بلعقب بقوله لو كنت في تلك المنطقة لأريتكم مكان قبره مما يؤكد على أن الله سبحانهوتعالى قد استجاب لطلبه وجعل قبره على مقربة من بيت المقدس. لقد سبق لموسى عليهالسلام أن طلب من ربه مطالب لا تعد ولا تحصى لا لنفسه ولكن لبني إسرائيل واستجابالله له على الرغم من كفر وعناد اليهود له ولله عز وجل. ولولا حكمة أرادها الله عزوجل لجعل قبره عليه السلام في أقدس بقعة من الأرض المقدسة وقد عوضه الله سبحانهوتعالى عن ذلك فأسكنه في السماء السابعةوعندما مر عليه نبينا عليه الصلاة والسلام وتجاوزه إلى سدرة المنتهى في حادثةالمعراج قال لقد ظننت أن الله عز وجل لن يفضل علي أحد كما ورد ذلك في أحاديثالإسراء والمعراج. لقد ذكر رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بعض المعالمالتي تؤكد على أن قبر موسى عليه السلام موجود على مقربة من بيت المقدس فأول هذهالمعالم هو أنه على جانب الطريق وبما أن رسولنا الكريم لم يعرف الطريق الذي يوجدبجانبه القبر فمن البديهي أن يفهم على أنه الطريق المؤدي إلى بيت المقدس من الشرقفسياق الحديث يدل على ذلك تعقيبا على طلب موسى عليه السلام من الله عز وجل أنيدنيه من بيت المقدس برمية حجر. ومن الواضح أن موسى عليه السلام بعد أن أذن الله لهأن يدخل الأرض المقدسة بمفرده ليموت فيها انحدر من جبل نيبو متجها نحو الغرب بشوقبالغ فقطع نهر الأردن عند مصبه في البحر الميت بعد أن سار ما يقرب من عشرينكيلومترا ومن ثم سلك عليه السلام الطريق المؤدي إلى بيت المقدس كما هو واضح من صورالجوجل إيرث التالية. ولا استبعد أن ملك الموت قد جاءه على هيئة إنسان وهو يحثالخطى نحو بيت المقدس ليكون أقرب ما يكون إليها فلطمه موسى عليه مغضبا وهو في هذهالحالة من الاندفاع والشوق لبيت المقدس والتي حرم العيش فيها بسبب خطايا اليهود.وتقول بعض الروايات التي لا نجزم بمدى صحتها أنه عليه السلام رأى رجلا يحفر قبراعلى ربوة مشرفة على البحر الميت إلى جانب الطريق فمال إليه ولما نظر إلى داخل القبروإذا فيه روضة من رياض الجنة تمنى لو أنه هو صاحب هذا القبر وقد كان. أما المعلمالثاني الذي حدده رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو أن مكان القبر يقع تحت الكثيبالأحمر وليس من قبيل المصادفة أنه يوجد على يسار الطريق الصاعد إلى القدس من غورالأردن بلدة تسمى الخان الأحمر وقد سميت بهذا الاسم بسبب أن لون هضابها تميل إلى الحمرة وذلك علىالعكس من المنطقة الصحراوية التي تقع إلى الشرق منها والتي يميل لونها إلى البياض.إن بلدة الخان الأحمر أو لنقل الكثيب الأحمر تقع على ارتفاع مائتين وخمسين مترا عنسطح البحر وإذا ما اتجهنا شرقا فإن سطح الأرض ينخفض بشكل كبير ومفاجئ حتى يصل إلىأربعمائة متر تحت سطح البحر بعد مسير مسافة لا تتجاوز العشرة كيلومترات. وبهذايمكننا فهم ما هو المقصود بأن مكان القبر يقع تحت الكثيب الأحمر فمكان القبر لا بدأنه يقع إلى الشرق من الخان الأحمر حيث يكون تحته من حيث العلو وليس كما يتبادرلبعض الأذهان بأنه تحت تراب الكثيب الأحمر. أما الإشارة الثالثة في الحديث الشريفالتي تؤكد وجود القبر في هذه المنطقة فهو طلب موسى عليه السلام أن يدنيه من بيتالمقدس رمية بحجر وإذا ما سلمنا بأن الله قد استجاب لطلبه عليه السلام فإن القبرسيكون على بعد يتراوح ما بين عشرة كيلومترات وثلاثين كيلومتر شرق القدس على جانبطريق القدس أي ما بين الخان الأحمر ونهر الأردن. ولا بد من تذكير القارئ بأن رميةبحجر لا يؤخذ معناها حرفيا فهذا التعبيرأو ما يشبهه تستخدمه العرب وربما تستخدمه أمم أخرى لبيان فصر المسافة بشكل نسبيفالبدو يقولون (مقرط العصا أو مرمى الحجر)كناية عن قصر المسافة التي يمشيها الشخص حتى يصل إلى هدفه والتي قد تصل لعدة ساعاتمشيا على الأقدام.



وبناء علىهذه المعالم التي حددها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام لمكان قبر موسى عليهالسلام تم بناء عدد من المقامات في البلاد الإسلامية ومن أشهر هذه المقامات المقامالذي أمر ببنائه القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي عند تحريره بيت المقدس منالصليبيين. وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يجزم بأن المكان الذي اختاره صلاحالدين هو مكان القبر الصحيح إلا أنه الوحيد الذي تنطبق على موقعه المعالم التيحددها الحديث النبوي الشريف مع بعض روايات التوراة. وتختلف الروايات حول الطريقةالتي تمكن بها صلاح الدين الأيوبي من تحديد مكان القبر فبعضها يقول أنه وجد البدوالذين يعيشون في تلك المنطقة يتبركون بقبر في الصحراء على جانب طريق القدس وهميعتقدون أنه قبر موسى عليه السلام وبعضها يقول أنه رأى رسول الله صلى الله عليهوسلم في المنام وهو في طريقه إلى تحرير بيت المقدس فأراه مكان القبر. وأنا لاأستبعد أبدا أن يكون هذا المقام هو المكان الصحيح لقبر موسى عليه السلام فرسولناالكريم صلى الله عليه وسلم كان بوده أن يري أصحابه مكان القبر لو كان هو وإياهم فيتلك المنطقة. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حرص رسولنا الكريم عليه الصلاةوالسلام بأن تعرف أمته مكان القبر والاهتمام به إذا ما قدر الله أن يكشفه لهم فييوم من الأيام. ولا استبعد أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى رأسهم عمربن الخطاب رضي الله عنهم جميعا قد حاولوا أن يعرفوا مكان القبر على هدي هذا الحديثالنبوي الشريف وهم في طريقهم إلى القدس عندما فتحوها أول مرة. ولكن لحكمة ربانيةبقي القبر مجهولا إلى أن أراه رسولنا لأحد أتباعه في المنام وهو القائد صلاح الدينالأيوبي إن صح هذا التأويل وهو أحق الناس بهذه التكرمة في ذلك العصر بعد أن فتحالله على يديه بيت المقدس في المرة الثانية. أما السبب الثاني فإن الله قد أراد أنلا يبقى قبر هذا النبي الكريم مجهولا إلى يوم الدين فقد يتعرض لعبث العابثين فقيضسبحانه وتعالى بهدي منه من يبني عليه مقاما يؤمه الناس فيسلمون على ساكنه عليهالصلاة والسلام. أما السبب الثالث فإن كشف مكان القبر على يد المسلمين إنما هوإغاظة لليهود فقد حرمهم الله سبحانه وتعالى من معرفة قبر نبيهم الأكبر بسبب فسوقهموعصيانهم بل إني لا أشك أن موسى عليه السلام قد حمد الله كثيرا أن أخفى الله عز وجل قبره عن اليهودفلطالما آذوه في حياته وحرموه من دخول الأرض المقدسة وتحمل معهم قسوة الحياة أربعينعاما وهم في التيه وبهذا فهو ليس بحاجة إلى مزيد من الأذى منهم وهو في قبره فمنالمؤكد أنهم سيعبدون القبر من دون الله كما عبدوا العجل من قبل ولقد صدقت نبوءتهفيهم كما جاء في سفر التثنية الاصحاح الواحد والثلاثين "²⁴فَعِنْدَمَا كَمَّلَمُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إِلَى تَمَامِهَا، ²⁵أَمَرَمُوسَى اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلاً: ²⁶«خُذُواكِتَابَ التَّوْرَاةِ هذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّإِلهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ. ²⁷لأَنِّي أَنَاعَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلْبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّمَعَكُمُ الْيَوْمَ، قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّبَعْدَ مَوْتِي! ²⁸اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْوَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَأُشْهِدَعَلَيْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. ²⁹لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَمَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ،وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّأَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُمْ»".
لقد شرع صلاح الدينالأيوبي ببناء مقام النبي موسى عليه السلام في بداية القرن الثالث عشر ميلادي وأتمهالظاهر بيبرس في عام 1265م. ويقع المقام على تلة تطل على البحر الميت وعلى بعدكيلومتر واحد على يسار الطريق المؤدي إلى القدس من غور الأردن وهو يبعد عن القدسعشرين كيلومتر وعن الخان الأحمر ثمانية كيلومترات وعن أريحا ثمانية كيلومترات. والمقامبناء مستطيل الشكل مكون من طابقين تعلوه عدد كبير من القباب وإلى جانب الغرفة التييوجد فيها القبر يوجد ما يزيد عن خمسين غرفة لسكنى الزوار وكذلك مسجدين أحدهماللرجال والآخر للنساء وهو محاط بسور يبلغ طوله ألف ومائتين وستين مترا وبارتفاعأربعة أمتار. ومما يزيد من قدسية المكان الذي يوجد فيه المقام أن حجارته قابلللاشتعال ويستخدمها زوار المقام كبديل عن الحطب ولذلك تقول العامة عن المقام أن (نارهمن حجاره). ومنذ بناءه في القرن الثالث عشر أصبح المقام مزارا للناس وخاصة أهلفلسطين الذين يحييون في كل عام ما يسمى بموسم النبي موسى عليه السلام حيث تقامالاحتفالات لمدة أسبوع كامل.